عباس باني المالكي
الشعر والإنترنيت.... قضية للنقاش
في البدء الكلام عن قصيدة النثر أود أن أطرح أفكاري التي أراها في قصيدة النثر وأن أهم ميزة ينبغي توفرها في قصيدة النثر هي الصورة والصورة يجب أن تختزن قابلة عالية على الحدس والإيحاء وإن تثير في عقل القارئ كل تداع وارتباط يؤديان إلى الأفكار التي تكمن وراء الألفاظ... فليكن الصورة مركزة إلى حد التكثيف ولتكن آتية من صقاع الحلم وأعماق اللاوعي ولتكن مفردة ومركبة شرط أن تبتعد عن الجمود والتنافر وإن تتخطى رغبة التوليد والتأليف وان لا تقع في الغموض الذي يجعلها غير قادرة على البوح بالعوالم التي تحتفي وراءها أو تقع في هذيان المحموم.
وهنا تحضر مهمة الشاعر الحقيقي الذي قال عنها سركون بولص (الشاعر الحقيقي هو الذي يؤمن بالشعر ولم يأت إليه عابثا... وينبغي أن يكرس نفسه وحياته للشعر ويجب أن يعد حياته للشعر ويجب أن يعد نفسه ذا مهمة كبيرة في التاريخ وإن يقدس الكتابة ويخلص لها من كل قلبه) وهذا ما يجعلنا أمام مسؤولية الشاعر الحقيقي وليس كما نرى الآن على كثير من المواقع الإنترنت الأدبية والتي يختلط فيها الشعر مع الهموم الذاتية التي لا ترتقي إلى أي مستوى من الشعر بل تسلل هولاء إلى ضفاف قصيدة النثر محاولين تمرير خوائهم المعرفي و هولاء حين يرون قصائدهم على هذه المواقع يدعون أنهم أصبحوا شعراء لسهولة قصيدة النثر من حيث عدم وجود الوزن والقافية التي كانت تثقل عليهم عملية الانتماء إلى الشعر والشعراء من أجل أن نستمر بمناقشة الفرق بين مهمة الشاعر الحقيقي والشاعر الطارئ على الشعر، الشاعر الطارئ هو الذي يلتقط الصورة بما هو شائع ومألوف وهو شاعر فقير الخيال والموهبة، بينما الشعر الحقيقي هو الشاعر الذي يجتاح من العوالم البعد ويرتاد الأفاق المدهشة ويبني علاقات أوسع في التشكيل وهو الشاعر الموهوب الأكثر قدرة على الخلود لأنه يلبي شروط الصورة التي تعمق الرؤية والإحساس وتكشف الصورة التي تعد معادلا للخيال الخلاق وأسلوبا حيا يجسد رؤية القصيدة وحركتها في كل جونب الحياة.
ولهذا أرجو من كثير الذين يتصورون أنهم شعراء أن لا يعتبرون أنفسهم شعراء بقدر ما يطرحون من هموم ذاتية لا تحمل عمق القصيدة الحديثة حيث عندما تقرأ قصائدهم لا تعرف أين يكمن الشعر في طرحهم بل مجرد أحاسيس مفرطة بالطرح وخالية من العمق والرمز وخالية من الصورة التي يجب أن تتوفر في القصيدة الحديثة والشاعر الحديث يلتقط كل ما هو قصي وشاذ أحيانا ويغترف من صقاع اللاوعي البعيدة أحيانا أخرى، أي أن الشاعر ليس صدى مكرر يسجل كل ما هو مألوف كالفوتوغرافي يسجل كل صوت حوله بل أن شعره يجب أن يكون اقتحاما لكل ما هو محسوس وملموس في حياة الإنسان موطنا وذاتا بجميع مشاعرها وآمالها وعذاباتها.
فلا أعلم لماذا هذا الجدل المستمر على شرعية قصيدة النثر وعدم شرعيتها، وبدل هذا الجدل لماذا لا نسأل أو نحدد ملامح وآفاق هذا المنجز وكيفية الوصول به إلى الآفاق التي تجعله الابن الشرعي إلى الشعر فلكل زمان أدوات التعبير عنه شرط أن لا يفقد الهوية الحقيقية للشعر التي تحدد القيمة العليا للغوص في حقيقة الأشياء والبحث عن العلاقة الجدلية لهذه الأشياء كي نكتشف الجمال وإعطاء هذا الجمال البعد النفسي الذي يخرج الإنسان من كل أزماته لكي لا تسيطر علية القوة لا تعرف معنى الجمال الحقيقي لاستمرار الحياة بكافة أبعادها خارج هذه الأزمات التي تبعد الإنسان عن أهدافه وكما قال كولردج (أن الهدف الحقيقي للشعر هو الإمتاع بما يقدمه من الجمال) أو كما قال خوري لويس بورخيس (الشعر هو التعبير عن الجمال بكلمات محبوكة بصورة فنية) بذلك أرتبط الشعر بإخراج الحياة من أزمتها ولكن بشكل جميل وبدون أطناب في هذه الإخراجية أي أن الشعر يبحث ما معنى الحياة وليس كما هي لأن في هذه الحالة يتحول إلى تقرير نثري ( صحفي) خارج البنية الشعرية ، وهذه الحالة تحفزنا إلى بناء مستقبل خارج أستيلاب القوة المسيطرة على مقدرات الإنسانية ولكن ليس تسجيل لهذا التاريخ كما يراه المؤرخ وإنما بناء هذا المستقبل كما نحلم في تحقيق الجمال والعدالة في وجودنا الإنساني وكما قال أناتول فرانس( يعبر المؤرخ عن كل ما كان ويعبر الشاعر عما سيكون) وبذلك يجب علينا أن نبني شعرا يمنح الإنسان الرضا والإحساس بالجمال الحقيقي وكما قال ألبررتي (نحن الشعراء ينبغي أن نبشر العالم بما هو جميل ، أن نكتب شعرا حادا كالسيف أحيانا وأحيانا رائعا كالزهرة، بما أنه قد حتم علينا أن نعيش بين السيف والزهرة).
و نسأل كما تساءل الشاعر الإنكليزي ولتر جيمنز (أي جدوى من أن يكون المرء شاعرا؟ ورد على تساؤله بتساؤل أيضا هو :أي جدوى من أن يكون المرء حيا، أن الشعر ماء الحياة وهل يمكن تصور وجود الحياة دون ماء) ولكي يبقى هذا الماء صافي ذات طعم رائع ويصبح الشاعر يعلم الناس كيف تحلم ........ مع أطيب تحياتي إلى الجميع
أ