تعقيب على دراسة نقدية موسومة ( فوضى النصوص ام النقود)
للناقد العراقي الكبير سعد غلام
على نصوص الشاعرة الفلسطينية القديرة( ايمان مصاروة )
........................................................................................................................
ممالاشك فيه ان الناقد القدير سعد غلام في دراسته النقدية الموسومة
(فوضى النصوص ام النقود ) اكد على مرتكزات حداثوية مجدية في بناء مدرسة نقدية من خلال اشكالية الفوضى بين النقد والنص وذكر خلال دراسته المدارس النقدية والتي استطاع من خلال مزاوجتها بشكل مذهل ليخرج لنا اسلوبية نقدية لمعالجة النص لقصدة النثر العربية وهذا لعمري عمل فذ غير متاح الا لعقل متفتح ومرجعية معرفية واسعة وثرية -
الجميع يطرح اشكالية النظرية النقدية والنظرية الابداعية لقصيدة النثر العربي وغاب عنهم ان المنجز الابداعي يسبق المنجز النقدي وهذا مسلم به فكيف يطلب نظرية نقدية تسبق وجود نظرية ابداعية لقصيدة النثر التي لم ينظر لها بعد لكن الناقد الفذ سعد غلام التقط الثيمة الام في تلك الاشكالية وهي
-
( بما ان قصيدة النثر العربية لم ينظر لها لابد ان نتتبع المدارس النقدية الغربية في عملية التقويم اذ ان المدارس النقدية الغربية تطورت جنبا الى جنب مع النظرية الابداعية ولكن لايتم ذلك بشكل كلي اذ يجب ان ترك مساحة لتأصيل الموروث اللغوي والفكري الذي انبثقت منه قصيدة النثر العربية الحداثوية بكونها منجز للغة الام وهي اللغة العربية وهذا مايترك للناقد المبدع مساحة في التلاعب في صياغة اسلوبية نقدية متبانية من ناقدلاخر وحسب عمق وثراء المنجز الابداعي )
-
ولكن نرى بعض النقاد يمارس العملية النقدية بشكل مستنسخ اذ يحاول تطبيق النظرية النقدية الغربية بشكل كامل على نص نثري شعري حداثوي عربي دون الاخذ بنظر الاعتبار التفاوت في اللغة والبناء والايقاع
حينئذ يسلخ النص عن دلالاته الانسانيةو تتحول عملية النقد إلى عمل عابث ". وهذا هو المميّز الكبير لمناهج النقد الحداثية المعاصرة التي تعزل النص عن وظيفة اللغة كوسيط
واللغة العربية رغم الانزياح والفوضوية في قصيدة النثر الا انها تحافظ على هندسة البناء داخل النص وهذا ما اكدناه سابقا
وافلح الناقد القدير سعد غلام في اختيار نصوص شاعرة عربية قديرة هي الدكتورة ( ايمان مصاروة ) اذ ان نصوصها تتمتع بحداثوية تسبق حداثتنا المعاصرة مع الحفاظ على هوية بلاغية في نصوصها المدهشة ولقد تناولت نصا لها هو من الروعة بمكان وذكرت انها سوف تكون شاعرة يعول على حرفها في وضع نظرية حداثوية للمنجز الابداعي وما يترتب عليه بعد ذلك من وضع نظرية نقدية حداثوية -
بعد هذه المقدمة نطرح تساؤل هو
((اذا استخدم الناقد استجابته للأثر الادبي استخداماً صحيحاً فهل هناك مجال لأن نعد ذلك الاستخدام وسيلة تعينه على تقويمه نقدياً ؟"
-
(1). هذا التساؤل يدفع بالنقد التأثري خطوة إلى الامام في طريق المنهج الفني القائم على الادراك الجمالي لبعض الاصول والقواعد الفنية الضرورية في تقويم الاثر الادبي من حيث قيمه الشعورية والتعبيرية بعد ان يكون تأثر الناقد مسبوقاً بذوق فني يعتمد على الموهبة اللدنية والتجارب الشعورية الذاتية والاطلاع الواسع على مأثور الادب والنقد, ولابد له من خبرة لغوية وفنية وموهبة خاصة في تطبيق القواعد النظرية على النموذج ، فلهذه الموهبة دورها الفاعل في ابعاد الناقد عن الخطأ في التطبيق أو الانحراف عن الأصول الفنية عند مواجهة النموذج . ولابد لهذا الناقد كذلك من فسحة نفسية تسمح له بتملي مختلف التجارب الشعورية ولو لم تكن من مذهبه الخاص في الشعور،"وقبل كل شيء لابد من مرونة على تقبل الانماط الجديدة التي قد لاتكون لها نظائر يقاس عليها ويكون من شأنها ان تبدل في القواعد المقررة والاصول المعروفة لتوسع آفاقها وتضيف اليها . وهذا ما عبرنا عنه بالفسحة النفسية الشعورية . هذه المرونة هي التي كانت تنقص كثيرين من النقاد العرب في العصر القديم فتقف بهم عند النماذج المأثورة من انماط الشعوروالتعبير , فما كان متفقاً معها فهو جيد مقبول وما شذ عنها فهو معيب مرفوض... وهذا هو الخطأ في منهج النقد ذاته . وقد وقع فيه حتى الذين شاؤوا التحرر منه كالآمدي وأبي الحسن الجرجاني ذلك انهم لم يملكوا التخلص من اذواقهم الخاصة المتأثرة بالقديم تأثراً في الصميم
-
(2). اما في العصر الحديث فلم يسلم هذا المنهج للأدب العربي حين تناوله الباحثون المعاصرون "فقد أصبح – في جانب كبير منه – حديثاً عن المذاهب الادبية الاوربية الحديثة .
وصرت ترى الدراسات الادبية ذات المنهج الفني تدرس لك الكلاسيكية أو الرمزية أو الرومانسية أو السريالية وأثرها ومظاهرها في الادب العربي, أو تمثلها في هذا الشاعر أو ذاك الاديب سواء في العصور القديمة أو العصر الحديث . علماً بأن هذه المذاهب أوربية المنشأ والتكوين بمعنى انها مرتبطة بتطور الادب الاوربي القديم والحديث وعاكسة لظروف المجتمعات الاوربية ولغاتها وخصائص فنونها , فضلاً عن ذلك فإنها نشأت في فترات زمنية ليس بينها وبين الادب العربي القديم أو الحديث صلة وارتباط "
-
-
(3 ) ويصل الانحراف بالمنهج الفني غايته القصوى في الاتجاهات النقدية التي تتعامل مع النص الأدبي تعاملاً جمالياً صرفاً "أي بما ان النص بنية مكتفية بذاتها , مغلقة لاتخترق نافذتها اية اضاءات خارجية من السيرة او البيئة .. الخ بحيث يحصر النقد تعامله مع اللغة الجمالية "
-
ويُعبر عن هذا النوع من النقد بثلاث كلمات أو اربع هي : شكلي , فني , جمالي . اسلوبي " صارت مصطلحات – او كالمصطلحات – للدلالة في اقل الدلالات على اضفاء الاهمية في النص الأدبي على الجانب الشكلي الخارجي وتهوين اهمية المحتوى . ومن هنا ينصرف عمل الناقد إلى الشكل اولاً.
أما في ابعد الدلالات فالأدب كل الادب في الشكل وغاية الادب في ذاته وليس له غاية تعليمية اجتماعية اخلاقية اصلاحية , وينصرف عمل الناقد في هذه الحال إلى الشكل والى الشكل وحده . وفي الشكل اللغة والبناء العام والصورة والموسيقى وما اشتق من ذلك واتصل بسبب "
والشكلانية الفنية لاتخلق نقدا مجديا وهذا مايؤكده الناقد الكبير سعد غلام بقوله
-
, وهذا المنهج الشكلي هو ما انتهجه معظم النقد في العصر الحديث " حيث نجد ان احدث الاتجاهات المعاصرة واكثرها فاعلية في الساحة الادبية متمثلة بخاصة في مدرسة الشكلانية والنقد الجديد والبنيوية في غالبية اجنحتها , تتعامل مع الخصائص الداخلية للنص , والمسوّغ الذي ترتكن اليه هذه الاتجاهات هو أدبية الادب بصفة ان الادب يتميز عن اللغة العلمية والعادية بكونه لغة جمالية فيتعين التعامل جمالياً ايضاً
-
-
"دون الاهتمام بأي وظيفة للأدب غير المتعة الناجمة من جمال الشكل الادبي او ما سمي بالأدبية , "وفي الحقيقة لايمكن انكار دور الأدب في الحياة ونحن نعرف مثلاً أن رواية (كوخ العم توم) كانت احد مسببات الحرب بين الولايات الامريكية , كما ان رواية (عناقيد الغضب) فيما بعد احدثت ردود فعل اجتماعية عنيفة .
وعلى هذا فإن الاتجاه الجمالي الصرف في المقاربة النقدية ينطوي على جملة نقاط سلبية منها"تجاهله للرؤية أو تجاهله للمعنى , قصوره عن الاضاءة المطلوبة للكشف عن العناصر المساهمة في عملية الابداع من حيث صلتها – في حالات سياقية خاصة – بكاتب النص وببيئته الاجتماعية .))
-
لذا نرى ان الناقد افلح في استخدام التفكيكية والبنيوية والبنيوية التركيبية وذاتوية بارات في الشكلانية والعروج على غرامشي وموضوعية سارتر كل هذا مع ابن عصفور
وانيس والمخزومي وهذا ما اكدناه في بداية المقال من عمل مزاوجة بين مانمتلك من اسس نقدية والمدارس الفكرية والنقدية لدى الغرب
شكري وتقديري لكما ناقدا فذا وشاعرة مكينة
-...........................................................................................................
.............................. الناقد/ هاني عقيل / العراق
--------------------------------------------------------------10 / 4/ 2015