هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى للتعريف بكتابات الشاعرة والباحثة المقدسية إيمان مصاروة وللمشاركة الفاعلة في الساحة الثقافية العربية بكل ما هو جديد في مجالات الأدب والبحوث العلمية .
الشاعرة إيمان مصاروة وديوان سلاف خزعات للفهم (ج 3) . *** بقلم / سعد مهدي غلام / العراق
تطور الشعر الفلسطيني متبعًا نهج تطور الشعر العربي في مصر والشام والمهجر ، مقتديًا ومحتذيًا تارة يقلد وأخرى يقدم إضافات . ولكن ما نحن نهتم به هو تقديم الشاعر والمبدع من عندياته لنلمس ملامحة وجروحه وتجلياته وتطلعه وأمانيه وما يعانيه . اتفق نقدياً أن ﻻ بصمات بالغة الفارق بين إبداع المرأة والرجل ، ولكن لم يمنع هذا من الكشف عن تميز هواجس ومضان البعض من شاعرات فلسطين في الداخل أو الخارج أو ما بين بين ، ونحن وجدنا كثيرًا من ملامحهن في إيمان مصاروة .همٌّ عايش من لم يضيع مفتاح الأمانة وبان ذلك بعد النكبة وتكرس بعد النكسة ، وظل يتطور في ضمير الشاعر الفلسطيني كم هائل من الأسئلة ﻻجواب لها وأخذ الشعراء في تطوير التجربة الشعرية ، فطرقوا باب المنظوم والتفعيلة بل منهم من كان سباقًا بالحداثة . فها هو عز الدين المناصرة من أوائل من طرق باب التوقيعة والومضة . إيمان مصاروة جربت كل الأنماط من موزون و عمودي وتفعيلي وطرقت أبواب قصيدة النثر هذا الجنس الأدبي الذي مر نصف قرن على انطﻻقه . دخول الطارئين وركوبه من النظّامين ومحاوﻻت التجريب أعاقه وأفقده ملامحه المعيارية للشكل الفرنس الأعم في العالم البروس أو الشكل الأنكلو أمريكي الذي في طليعته إدغار أﻻن بو و ولت وايتمان والتقليليون . ﻻنبغي الخوض في التأصيل فهناك من ربط الهايكو و التانكا والنثيرة والأبيغراما في قصيدة النثر ، وكان أمين الريحاني في منتصف القرن وعباس العقاد و د. طه حسين تناولوا التوقيعة وجربوها وكتب عنها الأخير صفحات في كتابه جنة الشوك متناوﻻً التوقيعة . لسنا في وارد التأصيل ولكن لأن المعروض على الطاولة مجموعة ومضات .كانت نصوص سلاف أثملتنا بجمالها وصورها والمجاز والتعبير ولكن وجدنا في ديوانها نثيرات وقصائد نثر من التقليلية وتوقيعات وومضات ﻻبد أن نقول إن الغالب الأعم هو الومض . ﻻبد إذن لنا اذن من إيضاحات عمومية قبل التوغل في المعروض . لن نتناول قصيدة النثر فقد أشبعناها في سلسلة البوليفونية وتعرضنا هنا لتطبيق منهج نلتزم به في معالجة الموضوع مقدمًا وقبل تبيان ما التوقيعة وأين في المجموعة نجدها وأيها النثيرة وما تكون . قصائد النثر لن نتعرض لها إﻻ في المعنى أو نسبر غور الومض وهو أصل الديوان ،كما ﻻبد من لفت النظر لمسألة حيوية وهي أن غالب التعرضات النقدية التي تطالعنا في الورقيات والفيسبوك تتسم بلا منهج معتمد وﻻمعايير إنشاء راق و هي إطراء ﻻتوغل في النصوص . ﻻ إفصاح عما تقول وﻻسبر للمبتغيات الغائية. سبق أن تناولنا الموضوع . المهم ليس تهيئة طروحات وحشر مجزوءات النصوص بينها . هناك من لم يقرأ كتابًا في النقد في حياته وﻻ لديه تصور للأبعاد النظرية للمفردات والمصطلحات والدﻻﻻت والإشارات والمعنى المكاني والزماني وﻻيمتلك رؤية سسيولوجية وﻻيعتمد مدرسة سايكولوجية وﻻيعرف عن الفسلجة الدماغية والسايكاتري والصور لوجي واللوكسلوجي واﻻنثروبولوجي ويتقدم مستخدمًا اللصق مكونًا مبحثًا يدخل فيه النصوص .و أحدهم يمارس الشعر وﻻيفقه المصطلحات الجمالية. نحن مع كون المبدع غير معني بتأصيل إيتمولوجي للكلمات لبحث المدلول وبلوغ الدﻻلة ، ولكن ﻻبد للشاعر اليوم من أن يكون موسوعي المعرفة ، ليس الرفع والنصب وأدوات النفي وكان وأخواتها وحسب ، ولكن أن يتصدى نقديًا ليقول رؤية ذوقية لينشرها وجهةَ نظرٍ ، ولكن حذار أن يزعم أنه من أهل النقد . مهما كانت تعنينا إيمان لنستطلع ما قاله الرواد وأهل اﻻختصاص عن الومضة . اتفق الجميع أنها لحظة لقطية عابرة لشاعر مرهف يعبر عن مشهد أو ينم عما يحس به أو ما يخطر في مخيلته وذهنه ويصوغه بألفاظ قليلة ويكون أرقى تعبيريًا إذا كان من أهل السليقة . منذ سبعينات القرن الماضي جربها كشكل شعري انعكاسي العديد أبرزهم أحمد مطر من العراق ومظفر النواب وجلال الحكماوي ،وكان ﻻبد أن تتميز بالتفرد والخصوصية والتماسك العضوي وتستبطن الإيحاء بلا إيقاع قسري وتشكل صورة بلاغية وتعبيرية مكثفة، وهي الشكل الثالث من الصور التي اتفق على تقسيمها ومختزلة اللغة ومشبعة بفكرة غائية يرمي إليها الوامض . محمد ياسر تناول الشكل الأكثف منها وأسماها النثيرة في عام 1981 ، وعلي الشرع درسها بإمعان وهو يتعاطى مع شاعر مارسها بقوة وأسبقية واستفاد من ترجمان الأشواق ﻻبن عربي والمواقف والمخاطبات للنفري والكثير من طروحات الشعر الصوفي ومنها شطحات البسطامي وموروث ذنون المصري . وتوالت المقاﻻت والمباحث في الصحف والمجلات المتخصصة وكان الكتابان إشكالية قصيدة النثر لعز الدين المناصرة وبنية القصيدة القصيرة في شعر أدونيس لعز الدين إسماعيل . اتفقا أنها لمع ومضي ومعجميًا ومضت المرأة إذا سارقت النظر وأومض فلان إذا أشار في إدهاش لحظي ، فقال البعض نص تلكسي يوصل بخطف صورة أو فكرة أو معلومة ، وكما البرق مشحون بكم هائل من الفولتيه فالومض مشحون بمعان هائلة . بإيجاز المناصرة يقول إنها قصيدة قصيرة مكثفة تتضمن مفارقة شعرية إدهاشية وقد تكون مغلقة أومفتوحة المعنى أو تأخذ شكل التوقيعة ، بمعنى لم يبين ما يميز هذه عن تلك سوى أن الأخيرة أطول من الومضة كما أن النثيرة أقصر ولكن مضمونيًا ﻻتباين .هذا ما من يفهم رومان جاكوبسن حيث يقول: توجد علامات شعرية عديدة ﻻتنتسب فقط إلى عالم اللغة ولكن إلى مجمل نظريات الدﻻلة وعلم الدﻻﻻت .نستنتج أنها إن كانت بصوت أو أكثر من صوت يتبدل معناها دﻻليًا وعندما تكون أبيغراما فإما هي كما كانت أيام الإغريق تهكم أو قدح أو كما كانت عند الرومان حكمة وتقليص رسالة توضع كشاهدة على القبر غالبًا بطلب الميت ووفق ما هو يصوغه لغاية يبتغيها . غالي شكري يقول : ضربة شعرية هي قصيدة قصيرة مركزة غنية بالإيماء والرمز واﻻنسياب الحر والتدفق الإدهاشي . الكثير يوعز تسمية التوقيعة في الستينات للمناصرة ونموذجها ما كتب علي عشري. البعض نسبها في الموروث لمن قال في الشعر العربي بيتًا أو بيتين المهم أنها تحوي صورة بالفهم البلاغي العربي واحيانًا بالمعنى الرومانسي أو التصويري أو البلاستيكي أو السوريالي ولكن ﻻنجد صدى التعبير عنها في تعريفات الموروث ، ولو قيل قصيدة مضغوطة أو فلاش باك ﻻ يغير في المعنى الدﻻلي ذلك الخوض في التلاعب اللفظي كما أن ورودها تفعيليًا أو حرًا ﻻيعني إﻻ ما يعنيه الفرق بين الحر والموزون . إنها كما نرى وثيقة الصلة بقصيدة النثر في تباينها مع المنظوم أما اقحام الوزن فإنه يفقدها معناها ونجدها مبثوثة في نصوص مصطفى الرافعي وأورخان ميسر وحسين مردان في مطلع الخمسينات ، كما نجد ملامحها في كتابات زياد التابي وعباس بيضون ، بل إن نزار قباني استخدمها دون أن يجرح سبق المناصرة التي استخدمها في مطلع الستينات ، وفي العراق تجد الومضة في قصائد سامي مهدي وشوقي بغدادي متفردة مكثفة ومتماسكة تنز إيحاءات وﻻبد لها من تعطيل أوزان الخليل ، تمتلك حداثية وشرطها اﻻستدﻻلي وحدة العضوية المعبر عن اﻻنفعالية الشعورية .وستظل الأسبق في هذا المجال جماعة كركوك أو مدرسة بيروت التي أتيح لها ما ﻻيتوفر في العراق ، ومن الأسماء الهامة في تلك الفترة أنسي الحاج وأدونيس وسركون بولص وجان دمو وفاضل العزاوي . وهناك شكل يسمى اللولبي وهو اشتمالها على دفقات موحية من انطلاقها من تبؤر واحد ومن يستخدم التنقيط أو علامات التعجب واﻻستفهام والشرطية ﻻنرى فيها إلا شكلانية . واذ جاءت في ديوان كما في سلاف نجدها مشاهد منفصلة كل مشهد قائم بذاته ولكن سرعان ونحن نخوض فيها أن نكتشف أن هناك ضفافًا بالإمكان ان نستخلص منها توصيفات موحدة .أدونيس يقول : قال الغد الحائر إن طفر اللحن من شفتي طائر ﻻيطرب الغصن ويقول نزار قباني: السر في مأساتنا صراخنا أضخم من صوتنا وسيفنا أطول من قاماتنا ونرى التباين في النهج وأن وجد البعض الفرق شكلانيًا نراه نحن جوهريًا ، فالغائية اللحظية تتباين عند نزار مباشرة محددة ومحدودة أما أدونيس فغاص في بعد عميق ويحمل نصه إيحائوية واسعة منحها تحررها في الاستخدام الشكلي فما بين الشكل والمضمون ترابط عضوي هناك شكل يسمى القوافي المتعانقة كما في نص لشاكر مطلق : تحت ضوء القمر الفضي ظل الزيزفون يتلاشى في العيون مياه النهر تمضي
أحمد مطر يسميها ﻻفتات والبعض قال نقوشات وإعلانات مبوبات. ومن موروثنا الأعشى : علـــــقتها عرضا وعــــلقت رجلًا غيري وعلق أخرى غيرها الرجل وعـــــلقته فــــــــــتاة ما يحاولها من أهـــــــــــــلها ميت بها وهل وعلـــــقتني أخيرى ما تلائمني فاجــــــــتمع الحب حبا كله تبل فكـــــــــلنا مغرم يهذي بصاحبه ناء ودان ومــــــــــخبول ومختبل والحطيئة : أبت شــــفتاي الــــيوم إﻻ تكلما بشـــر فما أدرى لمـــن أنا قائله أرى لي وجــــها شوه الله خلقه فقــــــــبح من وجه وقبح حامله وجميل صدقي الزهاوي : ساءلت شيـــــخًا قد تحد دب:ما تفتش في التراب؟ فأجابــــــني متــــــــأوهًا ضـــــيعت أيام الشـــباب وعبد القادر المازني ويقال إنه هو من كتبها وأوصى أن توضع شاهدة لقبره : أيــــــها الزائر قـــــبري اتلُ ماخــــــــط أمامكْ ها هنا فاعلم عظامي ليتـــــها كانت عـظامكْ ذياك التقديم ﻻ يعطينا ملامح سلاف إيمان مصاروة . وجدنا مشابهات صوفية وأبعادًا سايكولوجية وبيئة سسيولوجية أجبرتنا على ان نأخد ملامح عن الجمال في تطوره لنفهم جمال من اجترحته الشاعرة وسنعمد إلى أخذ خزع من النثيرات ومن التوقيعات و نتناول العديد من الومضات محاولين سبرها جميعها واستنباط ما تضمره ، غالبه يكتنز الشكل الذاتي وما مر بها شخصيًا ولكن تكون تلك تلميحات ﻻزمة ما ترغب الإفصاح عنها و هذا ما نحاوله ، كما أن البواعث النفسية والبعد الروحي الوجدي والصوفي ﻻبد من كشف ما يلتحف بها لنتبينه . قد نفلح وقد ﻻيصادفنا كامل البلوغ للُّب ،لأن ما نقوم به ﻻنرغب أن يصيب الماهية والجوهر . عملنا محفوف بالحذر وقدر عال من دقة تقنية سنستعين بها ووفقًا لما هو متيسر لدينا ، فإن التصدي لهذا الكم والتنوع للومض مرافقة له توقيعات ونثيرات يستوجب التفريز بعد أن نبسط ما سندرسه بالخزعات وهو الجمال والمكمن النفسي والأبعاد اﻻجتماعية . السيدة بعيدة ونحن ممن ﻻنفصل النص ميكانيكيا عن مبدعه فليس لدينا الكثير عن إيمان ولكن ما تيسر وما استنبطناه سنستعين به....يتبع