هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى للتعريف بكتابات الشاعرة والباحثة المقدسية إيمان مصاروة وللمشاركة الفاعلة في الساحة الثقافية العربية بكل ما هو جديد في مجالات الأدب والبحوث العلمية .
الشاعرة إيمان مصاروة ديوان سلاف خزعات للفهم (ج 4) / سعد غلام
كاتب الموضوع
رسالة
Admin Admin
المساهمات : 184 تاريخ التسجيل : 14/02/2015
موضوع: الشاعرة إيمان مصاروة ديوان سلاف خزعات للفهم (ج 4) / سعد غلام الأحد يونيو 07, 2015 11:05 pm
الشاعرة إيمان مصاروة ديوان سلاف خزعات للفهم (ج 4) -------------------
وهي تغادر ذاتها إلى الموضوع أخرجت معها الساكن فيها فعندما تؤوب يصحبها التعلق القشي بالرايات والمتاهات عبر دوران ماني معقد . تلازم الشاعر يتردد صداه في دهاليز ذاتها ، هو التردد بين التفاؤل الحدثي وإحداث التفاؤل في واحدة من الصحوات الممضة الألم لجروح ﻻنراها . وهي متكونة في ذات الشاعر وعبر الرؤية لما ﻻيراه سواه في تكورات الواقع وفي نفسه والموضوع . عنْوَنتُها فصلًا لها بمواقيت السراب ليس اعتباطًا و حتى إن لم تكن تعنيه فهو يعنيها باللاوعي الجمعي ، مسار القشة وسط التيار هو تهيج متصاعد للتكوينات المرتاعة من حضور الغياب . الصحراء التي تكونت ذات غفلة منها حولها حوّلتها إلى كائن صحراوي دون أي مكنات عيش هناك . إنها بنت المدينة وأن تتصحر مع المحيط دواخلها هي الملحمة المصيبة .الصدى صوت والصوت الذي تسمعه ممن يسكنها يتردد في فضاء الخارج . هنا الكثير من شعراء الموجة ونقادها ﻻيميزون أنغام العصر التي قلنا إنها بوليفونية . هكذا رتم العصر وهكذا هو ترداد النغم فيه ، كما نود لو عدنا للهرموني والباﻻد والسونيتات ولكن ليس بأيدينا إنه الزمن الذي أحكم قبضته ويتحكم فينا . لقد أفصحنا أن قصيدة النثر مثال كان قائمًا في الروايات ولكن باختين كشف عنه لم يخترعه وﻻ قال الرجل ذلك عن نفسه بل شرح ما هو البوليفوني ، واليوم نقول إن تلك الأصوات التي نسمعها في البروس والومض وحتى في التوقيعات الحداثوية كان ديستيوفسكي عبقريا متفردًا فيها فشاع المصطلح ، واليوم حتى التفعيلة والمنظوم يحاول أن يكون الصوت كذلك ، وها نحن نتقفى سمعيًّا وبصريًّا وشميًّا بالتراسل بين الحواس طبيعة صوت إيمان في ومضها ونجزم هو كذلك لدى سواها ، ولكن أذن العربي لم تعتد بعد الكشف والتمييز ، في ثنايا القصيدة والومضة الحداثوية ترجيع صدوي في السرد واﻻتساق واﻻنساق كما حال الرواية ، ولهذا نجد صدى ليو بولدبلوم و ستيفن ديدالوس ، ونجد مولي بلوم وقرينتها بينيلوبي في مطاوي سلاف . اليوم الدبلني والعقد العوليسي هو ما نتلمس في رحلة الومض لدى المصاروة وتلك التبادليات التماثلية أصداء التناص والتثاقف والذي يسترجعه الترجيع البوليفوني . قد يكتب الشاعر ما ﻻيدركه في تجل أو شطح والناقد يستمع إلى أصوات أصداء متعددة ربما لم تدُرْ في خلَد الشاعر لأنه عنّ إطلاق بثه بأداة أداء تصويتة واحدة ، غافلًا أن التعدد يمكن أن تؤديه آلة موسيقية واحدة ، هو تنوع التنغيم المراتبي للسلم الموسيقي بتنويع اﻻنتقاﻻت من درجة صوتية منغمة إلى أخرى في نفس النوتة ، وهو ما يحصل في الرواية كروايات تيار الوعي من جبمس جويس إلى نتالي ساروت مرورًا بهنري باربوس وفرجينا وولف وفي قصائد بودلير ورامبو وإدغار بو وهنري ميشو وشعرائنا من أدونيس إلى أنسي الحاج وصولًا إلى الأصطل ومصاروة .
الومض أعاقه أثر النظم ومع ذلك الأصداء متعددة في ومضها في الغالب الأعم ، وهو موجود عند درويش والبياتي وسعدي يوسف وحتى عند عبد المعطي حجازي ودنقل ودحبور . ما نود قوله إن الومض هو الشائع والموجود والحاضر في كل النصوص للعقود الأخيرة ولم يعره النقاد العناية ، يعود عدم الاهتمام به لطريقة الإصغاء السمعي وعدم توفر المستقبلات الحداثوية وندرة استخدامها في الشعر اصطلاحًا نقديًّا . التطور الدﻻلي يفرش الأرضية للنقاد ﻻلتقاط ذلك ولكن اﻻستخدام السطحي للتطورات في المدارس والمناهج النقدية لدينا هو ما عرقل سبل الكشف والتشخيص ، فالتعدد الأشاروي والتنوع المتجاور للمعاني يقود حتمًا لما نقول . اﻻنفعاﻻت الذاتوية ﻻيمكن اليوم أن تجرد من موضوعها حتى في التجريدية والتعبيرية . من يعتقد أن التجريد فصل ميكانيكي للتصويت داخل النص واهم . في الهيجان الوجودي مهما خاطرت بالتفريز لن تنال خالص تصويت لقطبين . في الومض يكون الأمر أعقد وﻻبد للناقد من أذن وحسن تنصت وإحساس موسيقي وتهذيب سماعي .
ها هي المصاروة تعود بكل أصوات الخارج وأعظم ما تعود به صوت السراب وصداه المدوي في المعاني والدﻻﻻت . تنعكس معطيات وآفاق وأحاسيس ينبئنا عنها التذبذب والتوتر وهو يرفرف بين جوانحها ليمنحنا صورًا وتعبيرات ، ولن نكون بحاجة إلى أجهزة تقييس وامتحان اﻻستعارات . ما انداح من انزياحات من انثيال الخارج إلى داخلها موجود في ومضها والذي اشتبك فيها قطب الذات بقطب الموضوع حتى ﻻ يكادان يميزان إﻻ بطول أناة . سنلمح اﻻشتباك من التوصيفات من الإشارات من حركية التبؤر الداخلي وزئبقيته وانتقاﻻت اﻻرتكازات المصيرية للتلاشي وتلاحك الصدى والصوت . سنجد مونوبرلوجًا متداخلًا مع دايوبرلوج ، وكلما توغلنا فيها ومعها يتصاعد لهب الموجودات في حالة انصهارية تشغل مساحة شاسعة نستشعرها خواء أكثر مما وجدناه فيما سبق .إنه ما اكتسبته من الخارج ومعه الأبعاد الرباعية للحالة والحدث اقتبستها من قناطر محسوسات قفزتها في عالم مسكون بالريبة والضنك والإحساس بظل واقعي للوطن المهدور النور.
الليل . أنت . الغروبُ وشهقتي أمل اليك إليك ما مالت سوى روح المسافة فاحتضنتَ برودها ومضيت (ص 111) تبدأ من الليل وليس كالمعتاد من الفجر أو من الموروث الديني من صلاة الظهر. من الوحدة والوحشة صانعة عالمها . كعودة عوليس تفكر بقضاء ليلها من العماء والعدم فتعود وهي تستشعر الرجفة والبرد إلى أحضان ساكنها المصاب بالبرد هو الآخر ، لوحته الوحشة والغربة فما بين أمسه واليوم . تعمقت الجروح وتعاظمت الأخاديد وتبدلت الخريطة احتلاليًّا وسياسيًّا وتراكمت المصابات ، وفي القدس تزايد المستوطنون وكبرت طموحاتهم والحاكم أشرس بغلواء متغطرسة أنزل الموت مرات بغزة وخلف في الوجد الجمعي جروحًا يستحيل إهمال تأثيرها في عموم فلسطين ، وتكرس الشعور بالشتات و استفحل بإصرار المتأله الغازي المدعوم ، وهناك تنامٍ لشعور صعوبة عودة المهجرين فتفاقمت أجواء البرد والعتمة في أرواح الناس .
العاشرة وعشر أماني ويحك يا ليل تتركني أنهل عمرًا سافر في البحر ولم يترك للشاطئ أي دليل ( ص 113)
ماذا تنتظر من الليل . انسياح وانزياح لقارب شارد وسط البحر تائه ﻻرصيف يلوذ به وﻻدليل ...ﻻ أمل . إنه الضياع والتوهان واﻻنزياح الزمكاني للذات والموضوع معًا . إنه ومض العدم فلا ترى غير العماء .كيف يتسرب العمر في قارب كهذا إنها مشيئة القدر وغدر الزمن وﻻبديل .
أين أنت يقول : هناك أنكِرُ كافَ البعد فأدرك ما يأسر صوتي حين أراه هنا ( ص 115)
تبحث عن ساكنها وتسأله وهي تعلم أنه هناك في دهليز ما من روحها وما بينهما ليس المسافة التي نعرفها في قياساتنا . ﻻ أمتار وﻻ أميال بل سنين بالمسافة بين الكوكب والمجرات . العمر يمضي سريعًا والمتاهات والقرب والبعد ليست طولًا و لا عرضًا بل أمانًا واستقرارًا .
أتقرأ فنجاني ناسكة الليل تفتش عنك بكفي تكسر في رتابة صمتي سيعود فأصرخ مثل فراشة وجد ﻻمسها ضوء هواك هنا فاحترق الليل فكنت كصبح داهم خوفي كنت فكنت وكان الحب سليل خباء النبض أحبك . (ص 119)
تفقد الأمل بالمنطق والتفكير السوي والعقلنة للأمور . تنحر بعيدًا عن سلم الحساب وتسلم للغيب قيادها فتلجأ للعرافة . تستدعي وعيها المكبوت تسأل ما المصير والحل ما المآل ﻻدليل لديها ترى لحيرة العرافة وهي تقلب بكفها .العرافة تشاهد البحر يتوسطه قارب ﻻقائد له وﻻمجاديف وﻻشراع وناء عن المرفأ . العرافة بذهول تسأل وبلا مواربة ، تقول لها ﻻ حارس لك والبحر مائج أتراها ﻻ تعرف هذا؟ مصير واجم يلازمها كصمتها وﻻحسحسة بساكنها .إنها فراشة وجد تتوحد محلقة في الغيب على بصيص قبس تخيلته فلا بديل عن أحضان ساكنها لتفر من العالم المرعب والمخاوف والمجهوﻻت . ﻻ آية تركن لها وﻻنور فما صنعت إﻻ بصيصًا ﻻيضيء أكثر من خرم إبرة في عالم معتم . أفتش في عينك فأنصت والدهشة ترسمني بين شفاهك قدرًا فأضمك حتى تفشي لي سرًّا بالحب فأسكن صدرك كالزنبق أتلو صك الوجد نبيذًا كي تشرب ( ص 122)
إنه ظل تبحث في عينيه مدهوشة من أهوال ما فيها ، والذي تترجاه وتتحدث له ﻻوجود له . كلها سواكن وسواتر أنقاض تحول بينها وبين العالم. تعيش سلافها وما يجره .تتطوح ثمالة تغدو كما الطاوي لما نسى وهو يلاحق ببصره فراشة . من هو ؟ الفراشة تحلم أنها أمست بشرًا . أما الرجل فيحلم أنه أصبح فراشة .ذلك ذهان ولكن ليس مرضيًّا ، فلكم توهم البسطامي والشبلي أنفسهم وأضاعوها في الشطح ، وها هو سلافها يفعل بها في ومضها فعله . ﻻيخرجها من سلافها وومضها إﻻ ذكر ساكنها الذي يعيد لها السكينة والسكون كما هو أحد أسباب هوجائها تلك أفعال السلاف . داء ودواء .
أحضن فيه الشوق وبعض النجوى يغفو هل بادرك الموت سريعًا يا وجعي وأمسد وجه القمر بأنفاسي أصرخ في هذا القدر القاتل ﻻ أحد يجيب (ص 134)
تصحو في ومضة صحو فتشرق على رؤية فتحس بالجبن ويعاودها الوجع . تستعيذ بحارس العشاق وكاتم أسرارهم : القمر ، و في ومضة تكشف أنه الطين وما هو إﻻ وهم وأن القمر الحقيقي ليس الذي في السماء بل الذي فيها لأنه أكثر صدقَا وأجلى نورًا وأشد إشراقًا.
أركل ضعفي في جسدي المتهالك أمضي في قهر العتمة أبحث عن عاشقة مثلي كي نتقاسم أكفان الحزن هناك أراها تتدلى وجعًا يقطفنا أحملها في كفي وأعود اليه أو أغرسها في الجرح فيبتسم بلهفةِ من رحلوا
( ص 137)
هنا قصيدة تقليلية تضم ومضًا وهي من النمط الأنكلو أمريكي . كم هو جميل لون الياسمين بجسد قويم قوي ليواجه مصيره . تحادث نفسها مستوحية من ومضها ما تعني عاشقة بلا عشيق ؟ عشيق ﻻيرى الشمس وﻻوجود له وﻻ خلاص منه . إنه تكفين القلوب وهو مصير كل عاشقة تخسر معشوقها .تبحث عن صنو لها لتقاسمها الكفن . ﻻزال من يسكنها حزن وبرد وصوت وحنين وشوق ولوعة وغضب عليه وتمرد على الزمن والقدر ، فهي ترى قرينتها كما تظن متدلية من علياء حزنها الوجعي . تحملها على كفها وتعود إلى ساكنها الذي تحول إلى جرح عميق فيها وجروح الروح ﻻتُنسى كما يقول طاغور ، وإذ تريه قرينتها التي أنضجها الحزن المكين يضحك منها ساكنها لغفلتها . تتسلل كشلال من نشوة عشق تغمرني دفئًا كن شمسي لأنتشيك في الحروف فلا تغيب ( ص 143)
تتلظى تتقلب كما لو على صفيح ساخن أو سرير مسامير . تسكن تارة تصيح أخرى تستسلم مرة وتثور مرة .تومض كشلال من نشوة عشق حقيقي يتلبسها . يعمر جسدها الدفء ، وإذ تحس بالنشوة وحرارة العشق الواقعي تتملكها ارتياحات وجودية فتشعر بكينونتها وتتحسس جسدها الموجود أنطولوجيا . تسألني وأنا بين يديك تطوقني بالنار أتحبينني ؟ أو لم تشعر ذوباني في صدرك أنفاس حنيني التي تأكل صمتك أم أنك تعشق صوت الشوق أحبك ثم أحبك ثم أحبك ( ص 146)
هي في عناق تسأل الساكن فيها . إنها تريده لهبًا من نار ليذيب ثلجها . هكذا تعلمتْ من ومضها السابق أن غاية العشق احتراق وانصهار كائن بالآخر ، وما الأحضان إﻻ هذه وظيفتها ،فيكون ومضها تصريحًا منها . قال البسطامي سبحاني سبحاني . تقول المصاروة أحبك أحبك أحبك في سطوة نوبة شطح ، ولكن بوجه الصحو والحس بالذات .
تصرخ: كلا فأنا من قتلت مرات كان الصمت ربيب القهر وكان الليل ملاذ الدمع وكان وكان وغاب القمر بصرخة عهر بيع العمر وذبح الحب على ﻻهوت شقاء أحمق (ص 154)
تستشعر أنها في نوبة ومض تلخص حياتها وكلها وكينونتها ، ومن ثقب جدار ذاتها الذي أدخلت فيها الموضوع تخلص أنها مساكنة لسنين الغياب بصمت القهر، فتكشف أن العمر مضى وأن أحلام العشاق ﻻتحملها الأموات . تقرأ ...تبكي تصرخ وجعًا، أبكي أنتها وبصدري ألف جحيم يحترق من بالنار هنا سلبوها عطر العمر وزهر الشوق وتصرخ تشهق وجعًا مرًّا تتلو أحرفه وتغيب كحلم عابرْ ( ص 157) في ومضة إخبارية رسالوية إلى كل من يعنيه الأمر ، إنها قد بلغ منها الوصب والألم ما بلغ وإن دفعت ثمنًا ﻻطاقة لها على دفعه ، أكثر من ذلك أنها تتألم تتوجع تتأوه تذرف الدمع تبكي ، فقد اجتازت الموت ومحطات الألم والبرزخ وعالم الجحيم التي مرت فيها ، هي تلك السنين التي تصرمت وقد ضاع العمر هباء فتقول إن الحياة حلم قصير كما هي الومضة ، فلِمَ نسمح للزمن بجرحنا . لماذا الشهقات . ﻻبد أن الحياة تكون لنشم الورد والعشق الإنساني الحقيقي فحتى طقوس التبتل نادرة وخرجت من تحديدات الرهبنة العذرية . ليس انغماسًا بالإيروتيكات ولكن ليعيش الإنسان . هذا ما يفعله الآن حتى رهبان البوذية . لننظر للتبدل في الغايات للهايكو من سلبية مراقبة الحياة الخارجية دون تدخل للمشاعر والمرتجعات النفسية والمنعكسات الحسية كما هو الآن في اليابان ذاتها . خلق اﻻنسان ليعيش ويتعايش ويتمتع ويمتع وهو ما أبانه الإسلام من قرونه اﻻولى من النزول . هذه كانت ومضات المصاروة.
أحفر جسد الأرض أفتش عنه وأبكي أغسل وجه الزهر بوحشة دهر يقتل أجمل ما في الدهر أراه كأن الموت حماه جميلًا لم يتكدرْ وأمسدها فوق الصدر عناق اﻻبد فيشفى الموت وأشفى وجعًا أستل الزهر أكلله وأكللها ويكللنا الله بأجمل ما حمل القلب من الوجدان وأغفو فوق المهد وأرحل يا كل الكل وزهر الفل نصرتم رغم الموت بعرس أجملْ ( ص 158) نجد المصاروة هنا تقول قصيدة تقليلية تشبه نصوص أهل القبور الأنكليز وهم مجوعة من الشعراء كل نصوصهم محددة بالقبر والدفن والموت والشاهدات والعزاء .....كثرة ذكر اللحد والملحود والموت والدفن أطلق عليهم شعراء أهل القبور ،وهي نتيجة بلغتها وجديًّا وومضيًّا .إيمان تشدخ جذع الأرض وهي ناحبة ليس للذي مات بل على من يسكنه وعمرها فات ، فالميت يبقى ﻻتداخله الكهولة والشيخوخة وﻻيشيب ، ﻻيتعذب وﻻيقهر مهما طال الزمن . وكل ذلك يعتري الحي وهي منهم . لسنا بالحياة الآخرة بل بحياة الأرض . ألم يقل علي (ع) :عش لدنياك كأنك تعش أبدا ، فلم الخنوع للقدر ولم الشقاء .تلخص خبرتها هنا كما لو أنها اختصرتْ عمرها لتعرض تساؤﻻت وجودية ، فما بين المهد واللحد نشقى . عرس وشهادة شموع و أشلاء حياة وموت . فيها تنغيم مقصود أو ﻻ مقصود يتعب الومض ، وإن كان كما قلنا شبيهًا بقصائد أهل القبور ،فلنقل عنه إنه أقرب للتوقيعة حيث ﻻبأس فيها أن تنغمها أو تتدخل ، كما نرى أنه تدخلت فيها . *** بين أيدينا فصل من ديوان سلاف اسمه تراتيل صاخبة .هو صاخب في ومضه كمحصلة تكونت عبر انحباس الذات في الذات ، و تمخضت عن ذلك معاناة وتجليات أنتجت رؤية منغلقة ، ولكن قادتها إلى أهمية ولوج درب العالم الخارجي فدرجت ومعها ساكنها الى الموضوع وعانت منه الأمرين حيث تلقت صفعات الواقع وأحست بالريبة وبمتناقضات الدنيا ، وكذلك ساكنها الذي وجد تبدل المحيط فرصة للعزلة واﻻنكفاء ثم عودتها الى داخلها مشبعة بالدروس المرة ، وكرد فعل شرطي جاء هذا الفصل الصاخب حيث ﻻشيء يستحق كل حجم العزلة ومصيرنا مكتوب مقدر ضبابي ﻻ أمل فيه للخلاص من براثن الضياع . انطلقت من رقصة أرجنتينة موحيه بالحيوية والتمرد والتعبير عن الرغبات المكبوتة عن اﻻنطﻻق الحر والتحرر من كل ما يكبت المشاعر . وجدت نفسها وسط الضجيج عالم ﻻمنطق فيه فاختارت التانغو : تعال لنكسر صوت انحدار المدينة الغابة أريدك أخضر لكي أتلمس وجه الحقيقة ذات ربيع (ص160)
ملامح توق للدنيا وجوع للتمتع هنا . بصمات فرويدية واضحة المعالم من آثار الواقع الذي تمليه حياة اللا هواء ، وما ألحق بها من إصابات الأوجاع و من أضرار في الداخل والخارج ، ولكن أتفلح بترك الحبل على الغارب ؟ هذا ما سنرى . نحن أميل إلى تفسير هذا الفصل مع ما بان من معالم تفسيرًا سايكتريًا وننحي الأبعاد الفرويدية المجردة ،ما لديها من روادع كونتها عبر سنين وما تقف عليه من موروث العلم والتحصين يحول دون وقوعها السهل بموبقات طريق الغرائز واللذة . ستتلاحق الومضات ﻻبصمات خروج واقعي عن مألوف انضباط فيها ، أما العلامات والإشارات فلا نردها إلى قاموس فرويد ،بل هي ردود فعل تخامر النفوس المثقلة بالأعباء و أوضار العسعسة ، في ليل كامن فيها ومعها طيف لم يفارقها فلا جدوى من تأويل خائب لعدم التزام الشاعرة بنصاب المعقول و أن تخوض في مياه آسنة ، فقوتها عالية و لديها قدرات الردع للنوازع الشاردة متمكنة . كما أن ما مر سلفًا أعطانا رؤية دقيقة عن شخصية مهما تغول فيها معين التمرد فهو غير قادر على أخذها إلى مكان ﻻتريده لذتها . الظاهراتية الفينومينولوجية فلسفيًّا ﻻتجيب في تفسير هذا الفصل العارض في حياة إيمان ، وقد استعنا بكتاب ابن سيرين وبعض كبار المعبرين عن الأحلام من الموروث ومن المحدثين ، وارتكزنا إلى كتاب الغصن الذهبي لما فيه من توضيحات لمعان ميثولوجية ، وكان ما وفره التقدم الهائل في علم الدماغ خير ما يستعين به الباحث لفهم ما يدور في عقل المبدع علميًّا . إن محصلة تجربتها فيما مضى تركت حُفرًا وشدوخًا في وجدها ونحن متيقنون أنها هندست الفصول لومضها وجعلتها تبدو تصاعدية واتضح ذلك في ختاماتها المبعثرة والتي احتوت على أنواع مختلفة بدﻻﻻت متباينة فجاءت لتجيب على ما نراه من تقويم واتضح بأنه مقصود ، وعدم وضع تاريخ الومض يعزز هذه النتيجة . صورة الخواتيم هي حقيقة الديوان و ليست أغراضًا للنشر ، وتعوّدها على أسلوب العرض المعهود من تنسيق اتساقي للنصوص قادها إلى هندسة الومض وفقًا لإرادة وليس تبعًا لما أنتجت فيه الصخب .الغضب ﻻيدفع للتنكر للموروث وهذه العبثية هي رؤيا ﻻتستقيم ومسيرة الشاعرة الملتزمة وكشفنا عما فيها من ﻻوعي ليس مغايرًا للمعهود بشكل ما يوحيه هذا الفصل ، ومنه نستبين أن هذه إجابات وردود على تقوﻻت و ليست دعوة للانغماس بالإيروتيكوس ، بل فهمنا أنها تريد العقلنة وما اكتسبته من درس قصة الحياة والشقاء والوجع لم يمنع الرغبة بطلب الطفل ورغبة باﻻمومة ، والجواب على الموت مزيد من الأعراس . إنه لوحة كثيفة المعاني مختلطة ولكن أليست الحياة هي كذلك؟ إنها دعوة للأمل وطلب لإشراق في التصور . إنها حكمة اكتسبتها فنظرت لساكنها .ليس ظلًّا مريبًا وﻻ طيفًا عجيبًا وﻻجذع شجرة ، بل غصن أملود أخضر أرادته ليعيطها إحساسها بالربيع والحياة المتوازنة ، ﻻ إلى العبث المشين . ذلكم وجه الدنيا كما تراها المصاروة مع كل ما فيها ، وتسلسل التبادليات إيناع وذبول سنة الدنيا ولوﻻ دفع الناس بعيدًا عن الدرب في مراحل من الكهولة ﻻكتظ العالم بمن فيه وازدحم وضاق بمن فيه . درس حكيم نستخلصه من ومض المصاروة .
الحب شيء الحب ماءُ معذبٍ وسرابُه والحب دفء العين حين نحيبها والحب سمرة وجنتينا تكسر أبيضنا الغافي في الأجفان (ص 164)
ما الحياة إلا سنديانة بلوط متدل . تكتنز الأسماء ثمارًا ممتلئة أشواقًا وعواطف تلوحها الشمس والزمن فتكتسب السمرة الجميلة ، بل ﻻتجود بمذاق إﻻ إن تعرضت للنار لتنضج . تبدأ خضراء ﻻفائدة منها ، صغيرة مجرد عناقيد بحباتها الحصرمية ، ولكن بصبر وبعناية وانتظار تجود . ﻻ يهم أي منه فكله ثمار ﻻ نحصيها وما نمحضها من أسماء اعتباطية الكل سواسية . تأتي ومضات مصاروة صرخات تدل على وجودها في الحياة . ثمرة بلوط مدﻻة ولا يسمع ساكنها الصرخات. إنها تحبه وﻻ أراها هنا تومض بل تبوح في شطح ، بل هو إقرار وتسلبم ليس رفضًا وﻻ تمردًا بعد كل ما مر بها . إنه الخضوع للمشيئة والقبول عن اقتناع بالمصير .الحب هنا جواب عن تردد وسؤال وجودي . إنه استجابة لتجربة خاضت غمارها مرت بها وعليها وهي استخلاص لدرس ، والصخب الكامن في الومض علامات استبشار عن كشف ما بين اللقاء الوﻻدي والفراق الموتي .
تستقطع النايات أنفاسي فتنكرني ربيعًا فأشهق : وا حنين المشتهى كلي فداك ( ص 176) تكرر ما مضى . معجون رؤية الحياة هنا خيبتان وجرح .هناك كان جرحان وخيبة ، والجديدة أفصح عما في صدر الشاعرة . الجرح هو الثابت والخيبات هي المتحرك ،وتفضحها القافية المستعارة وهي من نبضها الرتيب وزن لم تتمكن من إبعاد أثره . لوثات ﻻمست أذيال ومض وقصائد تقليلية وتوقيعات فهي مجيدة فيها و ليست من الطارئين في قصيدة النثر ما دام لها جذور . ﻻ صلة بين هذا وذاك إﻻ مفردات ويتغير معناها باﻻستخدام المتباين فنراها لقناعتها تلك تُواصِل. ِرجْل هنا ورِجْل هناك وهو ما يفعله الكثير ، فما يمنحه المنبر ﻻيعطيه قصيد النثر. البعض لعدم ثقة بالنفس والتمكن والبعض لأن السير على حبلين خير من حبل واحد والبعض محض مصلحة ، ومنهم من يمارس التجريب وفيهم من يجد في نفسه قدرات السير في الطريقين ومنهم المصاروة ، وﻻيضير أن نأخذ بعين اﻻعتبار أن أذن البعض ﻻتقبل إﻻ طريق الوزن أو التفعيل وما في ذلك ضير إن وجد الشاعر فيه قدرة الخلط والمزج ، وهو ما نراه كثيرًا فيدخل الدف في السوناتا والسنطور في الأوبرا . ﻻنرى في المصاروة من ذلك نشازًا لأنها في الغالب متمكنة في الجنسين . .في فصل آخر قبل أن تذهب إلى خواتيم مبعثرة متناثرة من أكثر من نوع ، نقع على فصل أسمته قراءات مضللة وللعناوين دﻻﻻت ومعان في الشعر عمومًا وفي الومض أكثر فالضلال تعنيه حرفيًّا وليس مجرد عنوان و فيه عصارة الديوان . إن كل ما مر ضلال وتوهان لم يقوداها إلى شيء . ألم يقل جبران في الشعر لم يصل اليقين ، والبياتي يجيب أنه وجد الله وليس المصير لما ﻻ يأتي . ها هي المصاروة بعد طول مخاض وتجوال وترحال ودخول وخروج وانصهار الذات بالموضوع تقف عند ناصية الخواتيم لتصرخ انها ضلال .
هنا تقع خلاصة الكاثارسيس وما نجم عن تلك الرحلة الأوديسية . سيرة سفر في الملكوت لروح شقية موجوعة تقلبت بها الدنيا وجالت بين نابلس والقدس وعمان ومعها العنوان والظل والمفتاح . في داخلها يسكن كائن أجفلها وأرجفها . أسعدها وأضناها .كان تميمة ونميمة كان حرزًا ولعنة ترافقها أنى تكون بين جدران الذات ، وفي العالم المجنون التي تسكنه عفاريت اﻻحتلال عاصرت الموت والوﻻدات وكان لها هواجس أنثى ونوازع أم وتوق للخلاص ورغبة في اﻻعتكاف وإرادة لتواصل الحياة ،مسكونة بكل ما يستكنّ في وجد الإنسان الشقي الذي تلظى وتألم وركب موج بحر الإبداع الشعري ، فأضاف لمعاناته عاملًا آخر ليشقى فيه ، لأنها اكتسبت رؤية ورؤيا وتحوطت فما نفع كتمان وﻻستر . أسقطت الستارات والسجف .ثقَبها الوجدُ . ﻻحت معالم ما خامرها وما اختمر فيها . كان ومضًا مريبًا لأنه لخص رحلة محفوفة بالشياطين والرحمة بالوساوس واليقين .جاهدت لتصل إلى اليقين .طرقت باب العبث فلم يكن ثوبها الذي به تستكين .امتطت صهوات النرجسية واستعملت وسيلة الانصهار بالأخرى ،وكلها باءت بالفشل الذريع .لم تقل ولكن ومضها وفق تبويبها يصلح للسرد ، هنا تكمن المفارقة أن يكون بالمقدور ليس أن نحيل الومض قصيدًا بل أن نأخذ منه رواية ملحمية عصرية بوليفونية من تيار الوعي والفلاش باك و من حبكة الإغريق في مآسيهم بلغة العصر ، ولذلك سلاف كان عوليس جيمس جويس المصاروة . مشحونة بطاقة تفجير هائلة منحتنا بمنظار النقد ما وجدنا من تهدج حياة تتدرج متهادية لتخرج مشتغلة بالجروح والشدوخ . أرادتها بثًّا مستورًا فكان بوحًا فصيحًا قبل أن تلج الخواتيم ، وفيه تبعثر خلجات وهواجس ونوازع ومخاوف وإرهاصات ذات معذبة وحمل أوصاب ومصاب وطن .كلها ضخت في ومض قدم مشاهد بنورومية تنبض بمشاعر أنثى وتبوح بمخاضات وﻻدات . قصيد وسيرورة حياة تتدحرج من قمم التوهج إلى حضيض الركود في متاهة الوجود حيث العماء والعدم .تناولنا بعض ما أطلقتهن من ومضات بلا ترقيم والآن على الأعتاب نرى ما آلت إليه مثل رواية جسيمة البدايات و في الخاتمة نجد الزوغان ، وضياع العناوين أعادتها للمتاهة التي هي فيها ، فنرى ومضًا يجول مابين الطفولة والهرم وكأنها تقول عادت إلى دورة الشك من جديد بل هو بغية ما بلغته ، وقد كنا قد سلمنا أنه تخلصت منه واستكانت واستقرت على رؤية الدنيا واكتشفت أسرارها ومفاتيح أبواب استغلاقاتها . ثم ترجع للضياع .
كأس نحاول أن نشربه دون حنين نقطع أنفاس العمرسريعًا ﻻذكرى في صرخة طفل ينتظر الصلصال ليشتد فبكبر يكبرحين اللاعودة يندم ( ص 177)
تتحدث عن الطفولة التي مرت بها وتشتهيها ككل أنثى ﻻتخير أن تولد وتلج الحياة ،وتبدأ الذكريات بالانثيال من مساكبها ، فتطبع بصماتها لنا على جدران الوجود قبل أن نتصلب ونكون كيانات من فخار بما تبلونا به شمس الحياة الحقيقية .نحن الطين نكبر لنتصلب نشيخ ونتكسر كالفخار . ما نحن إﻻ محض صلصال إن جاءت ساعة المصير والرحيل الأكبر .نعلم أنه ﻻعودة من السفرة حينها إﻻ في النشور وما كنا إﻻ في لحظة وجود عابر ، والدين يخبرنا أن الوجود الدائم هو الموت ثم هناك الخلود .توقفنا في محطاتنا ننتظر نتجول ونجول وما هي إﻻ محطة عبور سيأتي قطار الرحيل الأخير . ﻻ أحد يعلم متى وﻻ كيف سيستقله ولكن من ركوبه ﻻبديل .
في الصبح تعيد مرارًا ما يقتلها: اني راحل لكن قلبي عطري حلمي سهري شعري المنسدل لأجلك شلالًا من نجوى سأكرهك ما حييت حبيبي . ( ص 197) وفي حلقة التوهان تنتابها ومضة ارتكاسية ، فانبلاج الصبح أيقظها عبر ضجيج العصافير وهو دليل الحياة . كانت في سفرة عبر الذات فتقلبت .أين أنت الآن يا من كنت فيها لم تلمسها لم تلمسك لم تحدثها لم تحدثك لم تكن أنت كيف هي تكون ؟ وما أن يطل الفجر الصادق برأسه الجميل تنبذ الليل لتقول إني راحل .تعطرت وأسدلت شعرها و رسمت ليلة في الخيال تكون لك وحدك بكل ما فيها حتى نجواها لك وحروفها و ومقها ثم تفاحئها لتقول الليل قد انقضى . هي وحيدة تنتظرك مستيقظة تقول إنك راحل ولن تعود بقدر حبها تكرهك كما قال نيرودا ذات قصيدة أحبك ﻻني أكرهك وأكرهك لأني أحبك .
إيمان إيماضها فيه كثير من المحال وكثير منه يصلح أن تكتب عليه قصيدة كاملة وأشد ومضها عنفًا نثيراتها المشبعة بالطاقة ، تهجسناها مرات ليس فيها تعب ولكن كلها بروق ووجدنا توقيعات أخذنا منها معانيها وأعانتنا في ولوج الومض .ومضها مزدهر متجلبب بمتناقضات تشمل حياتها ومسيرتها ملخصًا سيرتها الذاتية وتقلباتها ، ولذلك تتخلل الكثير من الومض هواجس التفعيل ، ولكن لشاعريتها وقوة الشحن تجاوزت ما قد يفعل التفعيل بالومض من تعطيل وكما يقول الشاعر إنك تصنع شحرة .كما قلنا في مطاوي المبحث هي سليلة فدوى طوقان وسلمى الجيوسي نرى لها مستقبلًا مزهرًا في مضمار الشعر وقصيدة النثر أكثر إن تمكنت من الفصل بين الأجناس ،وفي جميع الأحوال كانت إيمان في ومضها تمتلك البوليفونية التي بها يمتاز نتاج العصر وسيبقى إلى ما شاء الله لأن الذائقة والأذن العامية تتجه نحوه ولن يوقفه الصراخ ...... سعد غلام
الشاعرة إيمان مصاروة ديوان سلاف خزعات للفهم (ج 4) / سعد غلام